السودان .. أزمة إدارة

منذ بواكير الاستقلال والبلاد ان بارحت مكانها بين الامم وموقعها فقد بارحته الى الوراء متأخرة خلف شعوب لم ترى نور الاستقلال الا اخيرا .. وظل فخرنا ومجدنا طيلة عقود الحكومات الوطنية ب (نحن .. ) الجوفاء الملتفة حول صفات الشخصية وسلوكها لا رفاه البلاد ولا مؤسسية الدولة او ريادتها لشعوب التخلف الافريقي والعربي .. ويجمع العالم ونحن* ايضا معهم في كون السودان يرقد على ثروة قلما تجود بها الطبيعة في باطن الارض وظاهرها ومقومات الدولة الزراعية الصناعية الاولى في العالم تجتمع في السودان لكن الضلع الثالث وهو التنوع البشري يوجد في السودان ايضا من حيث تعدد العرقيات والاثنيات وتمازجها وموروثها الثقافي الا انها . .. تتنافر حين حضور السلطة واقتسام الثروات وذكر المفاخر حتى .. فنشات طباع عدم القبول بالاخر او الرضا به في راس الدولة .. وتراكمت على نتائج سياسات المستعمر الناجحة "فرق تسد" وقوانين المناطق المغلقة التي صنعت هوة كبيرة في المجتمع المدني بين عناصر الامة .. عليه كان الضلع الثالث لقيام دولة عظمى مكسورا بل وحتى وبالا على ثروات البلاد وقادها الى التخلف والتدهور دونما وقفات للمحاسبة او تعديل المسارات فانزلقت البلاد الى مهاوي التردي الاقتصادي وانعدام الهوية وتفكك المجتمع وطفو سيئات الافعال والفساد فبات تصنيفنا في الفساد مؤخرة دول العالم اجمع تبع ذلك تهاوي الانظمة المدنية التليدة كالنظام التعليمي وجامعة الخرطوم مثالا (الثالثة عالميا في السبعينات , 2012 لا توجد جامعة سودانية ضمن ال 2000 الاوائل) وتشرذم فئات المجتمع في دول المهجر فاصبح البيت السوداني فيه المغترب والمنفي والمهاجر بل حتى اللاجيء في مختلف دول العالم وماصاحب ذلك من هجرة العقول وانتفاء الشعور بالوطنية لدى الاجيال الصاعدة وحالة الاحباط العام والنظرة المتشائمة والمناظر الكئيبة اصبحت ميزات تسود الشارع السوداني ... كان هذا كله نتاج لسوء ادارة البلاد منذ عهود مضت فقادتنا الحكومات الفاشلة منتخبة او مغتصبة دوما الى ما هو اسوا منها ولم تفلح أي منها في رتق المجتمع وزرع الهيبة والعزة في النفوس والاعتزاز بالوطن وتغيير السلوك نحو بيئة منتجة تقبل الاخر وتقدس المكتسبات .. وكانت قمة الماساة حراك اسلامي ادعى ورفع مشروع الدولة الحضارية كلافتات وكان قد جاء الى السلطة ممتطيا الدبابة بدا انه مشروع ضخم يهمه الوطن والمواطن وسيعيد البلاد الى المسار الصحيح بعد ان اعملت فيها العنصرية والتفريق الطبقي خروجا واجبا عن السلطة وعليها في مختلف الحدود وتكريسا للقبلية بل واسهم مستوى البطالة وغياب المؤسسية في نشوء حركات التمرد التي رات ان تحكم مناطق القبائل والاثنيات التي شكلتها .. وتناهز دولة المركز التي لجات الى فتاوي الشهادة والحور العين لبسط يدها على من افقرتهم وشتتهم وخلف الافق يلوح مشروعها الحضاري .. سرعان ما تفتت المشروع الحضاري تحت اقدام شهوة السلطة والثروة فانفصلت البلاد الى دولتين في زمن تتكتل فيه الامم وتقوّي بعضها بعضا في ظاهرة فريدة من نوعها ... وتوجت دولة المشروع الحضاري منجزاتها بالانحلال الاخلاقي والفساد والاختلاسات وتحليل الربا وما سبقه من اتساع وترهل افقي خبيث في التعليم والادارة وتجذر للقبلية والعنصرية في صورة مقلوبة الراس لخطاب الزعيم الازهري غداة الاستقالا : ايها الشعب السوداني البطل .. فاصبحت الدولة تحشد القبيلة وتؤطر لها وتفرق بين الناس على اسس القبيلة كما قال مساعد الرئيس مستنكرا مساواته باخر : انا مع العجيمي ده في نفس السلم ؟! وهذا كان بعد الاستقلال بنصف قرن من الزمان .. اصبحت البلاد تدار بعقول رثة مهترئة مريضة تغوض استقلالها وكيانها وانسانها وما الرئيس المكبل الا اكبردليل على العجز فكيف يرتضي الشعب بقيادة لا تستطيع الحراك في اتجاه مصالحه او حتى زيارة الاصدقاء ؟
ان ما يسمى بالمشروع الحضاري برعاية ثورة الانقاذ الوطني جنى على حاضر ومستقبل البلاد والعباد اكثر من سابقيه حكومة الاحزاب وعهد النميري الذين اضاعوا فرصا تاريخية للنمو والتقدم في وقت كنا نظراء لدول الجوار العربي والافريقي بسوء التخطيط والتنفيذ فاتت ثورة الانقاذ التي اوقفت باديء الامر التردي الاقتصادي والنمو السالب فهلل الناس وكبروا .. لكنها سرعان ما اشترت عداوة دول العالم فوصف السودان بالارهاب والفقر والفساد وحدث في عهدها الانفصال ورفع السلاح لاول مرة في تاريخ بلد معاصر على كل الحدود والجبهات وقد دعم التمرد والحرب المجتمع المتفكك اصلا والعنصري والمهمش جراء سياسات الحكومات المتتالية .. وفقد السودان ميزاته الاقتصادية والزراعية وسكنت الحضيض كل ملامح النمو في الصحة والعناية بالانسان بل حتى الحقوق التي لم يستطع أي دستور ان يؤسس لها ويكفلها لانعدام الاجماع وكثرة التغييرات والتعديلات ...
وهاهي الازمة المتراكمة المتراكبة تبلغ اوجها في لقمة العيش ولازال الحاكم يبرر .. والشعب يصمت
والحل بالطبع ليس تغيير الوجوه والسياسات فقط .. ولن يكون هناك حلا آنيا حيث ان الاجيال المعاصرة تربت على سلوك لا يمنح امة ميزات التطور والنهوض سلوك الانانية والتسلط والخمول والمهاترات والتمرد .. فنهضة السودان لا يكفلها الا جيل يعي ويحس بالوطن والوطنية يرتق شتات المجتمع اولا ويقرب الشقة ويجوب القرى والحضر يشاركه الناس الاراء يقبلها وينفذها .. جيل يعيد التعليم سيرته الاولى ويرم البنية التحتية الرثة ويضع نقاط النمو على حروف المجتمع واسس العدل والمساواة والحرية .. هذا الجيل المخملي الخيالي الصفات لن يكون فيه ابن القبيلة او ابن الغرب او ابن الشرق بل .. ابن السودان .. هذا الجيل موجود في الازقة وتحت اعمدة الانارة الان لانه لا يحب التسلق والتملق والتسلط ... وريثما ينجلي هذا الليل "الحضاري" سياخذ موقعه في قيادة المجتمع اولا وتربيته ثم بناء الدولة المتحدة الناهضة الحديثة ...

تابع النقاش عليه في الفيس بوك :

https://www.facebook.com/notes/%D8%A7%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%83/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A9/10150854043346875

يا ود المبارك الله يبارك فيك ياخى السودان لولقى اتنين منك
فقط واحد فى جوبا وواحد فى الخرطوم كان دا حصل..
السودان لعبه فى ايادى ناس بالحساب.

السودان .. أزمة إدارة

السودان .. أزمة إدارة

رد: السودان .. أزمة إدارة