منتديات أبودليق
أخي الحبـيب ... الزائر الكريم ... حبابك عشرة بلا كشرة تفضـل بـدخـول دارك فعز الله مقدارك ولك من إدارة المنتدى ومن كل أهل أبودليق الطيبين التحية والتقدير فأنت من تساهم برفعة أبودليق والإعلاء من شأنها نتمنى لك وقتا سعـيداً بين أهلك وأخوانك ــ تفضل بالدخول ــ فلا تنسى نطق الشهادتين والصلاة على النبي :
(( لا إله إلا الله محمد رسول الله ))
(اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم)

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات أبودليق
أخي الحبـيب ... الزائر الكريم ... حبابك عشرة بلا كشرة تفضـل بـدخـول دارك فعز الله مقدارك ولك من إدارة المنتدى ومن كل أهل أبودليق الطيبين التحية والتقدير فأنت من تساهم برفعة أبودليق والإعلاء من شأنها نتمنى لك وقتا سعـيداً بين أهلك وأخوانك ــ تفضل بالدخول ــ فلا تنسى نطق الشهادتين والصلاة على النبي :
(( لا إله إلا الله محمد رسول الله ))
(اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم)
منتديات أبودليق
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الهمبتة والهمباتة في السودان

3 مشترك

اذهب الى الأسفل

الهمبتة والهمباتة في السودان Empty الهمبتة والهمباتة في السودان

مُساهمة من طرف أحمد حيدوب الجمعة 28 مايو 2010 - 6:18

الهمباته في السودان

(( الهمبتة )) ظاهرة اجتماعية على غرار ظاهرة (( الشعراء الصعاليك)) التي عرفتها جزيرة العرب قبل الاسلام ، انتشرت في السودان خلال العهود الاستعمارية التركية والانجليزية، وقد جاءت في أعقاب الحروب التي كانت تنشب بين القبائل أواخر عهود السلطنة الزرقاء، اثر ضعف هيبتها، بسبب تنازع الأمراء الفونج على العرش وتسلط الوزراء من قبائل الهمج على زمام الحكم. وبسبب تردي المجتمع في الجهل بالدين ومن ثم ضعف الواعز الديني.. وقد انحسرت هذه الظاهرة بعد استقلال السودان، وانتهت الآن تماما الا من بعض الحوادث الفردية في أقاصي بوادي غرب السودان .. وخلفت إرثاً أدبياً فريداً . الهمبتة : أصلها ونشأتها : دوافع الهمبتة : مجتمع الهمباتة : السالف : مراحل الهمبتة : حقوق الرفقة : قواعد الهمبتة :

انتشرت لثلاثة قرون واندثرت عند الاستقلال.. (الهَمْبَاتة) شُعراء السودان الصعاليك عدم الاعتراف للشاب ببلوغ قدر الرجال إذا لم يمارس ((الهمبتة))!! المروءة والنجدة والشهامة من أخص خصائص ((الهمباتة))!! ((الهمباتي)) لا ينهب من قبيلته ويرعى حقوق الجار والعشير!! لا ينهبون إبل المرأة واليتيم والفقير.. والغني الكريم!! الوفاء للرفيق من أميز صفات ((الهمباتة)) ويفدونه بالأموال والأرواح العُملا يُسوِّقون الإبل المنهوبة و((يُشَهِلون)) الهمباتة عند الحاجة.
و((الهمبتة)) وهي تعنى ((نهب وسلب الابل)) كانت تعتبر من أرفع ضروب الفروسية، وكانت حياة ((الهمباتة)) على غرار حياة اسلافهم من ((الشعراء الصعاليك)) في الجاهلية عروة بن الورد والسليك بن سلكه واضرابهم مع اختلاف جوهري رئيسي هو ان غالبية اسلافهم كانوا لا يتورعون عن سلب الضعفاء والحريم بل وسبيهم واسترقاقهم، فيما يتصف ((الهمباتي)) بصفات الفارس النبيل الكريم، كما ان اسلافهم كانوا ((خلعاء)) لفظتهم قبائلهم، بينما ((الهمباتي)) محل تقدير وافتخار قبيلته واحترام المجتمع، لأن المروءة والنجدة والشهامة والكرم كانت من أخص خصائص ((الهمباتي)) إذ أنهم مغامرون شجعان، لا يهابون الردى والمخاطر، ويواجهون الأهوال، ويتحملون المشاق، يحفظون القبيلة، ويرعون حق الجار والعشير، ولا يسلبون الضعفاء. وقد استأثرت هذه الظاهرة باهتمام الباحثين في العلوم الاجتماعية والثقافية، اذ انها انتجت شعرا شعبيا ظلت المجالس تسمر به وبحكاويهم في البوادي حتى الآن. ومن أبرز من تناول هذا الموضوع الباحث الراحل الأستاذ الطيب محمد الطيب (رحمه الله) ، إلا أن الأكاديمي الدكتور شرف الدين الأمين عبدالسلام رئيس شعبة الفلكلور بمعهد الدراسات الافريقية والاسيوية بجامعة الخرطوم (رحمه الله) ، وحده الذي أوفاها حقها من البحث والتنقيب والتمحيص، حيث جاب البوادي في شرق ووسط السودان ، دارساً ومنقباً، واستقى معلوماته من منابعها الأصلية في الأطراف القصية للبوادي ، من أفواه المشتغلين بها أنفسهم، والمتصلين بهم اتصالاً مباشراً، ومن الذين شهدوا أحداثها وعاصروا فرسانها، حيث شملت زياراته منطقة الجعيلين والبطاحين والشكرية في بادية البطانة في شرق النيل، ومنطقة الكواهلة في البطانة بين نهري الدندر والرهد، ومنطقة قبيلة حمر في بادية كردفان في غرب السودان، واستعان الباحث بأشعار(( الهمباتة)) في التعرف على مختلف جوانب حياتهم، ونحن نستعرض هنا بعجالة هذا البحث التراثي الشيق: أصلها ونشأتها: ((الهمبتة)) تعني نهب وسلب الإبل دون سواها!! و((الهمباتة)) هم الرجال الذين يمارسون نهب الابل، ومفردهم ((همباتي)) واللفظ من لهجة عرب غرب السودان، ويرادفه لفظ ((مهاجرا)) ومفرده ((مهاجري)) أو ((مهجراوي)) ولفظ ((النهيض)) و((النهاض)) و مفرده ((نهاض)) في بادية البطانة في وسط السودان، ولفظ ((سراجه)) ومفرده ((سراجي)) في بادية كردفان. وعن أصل الهمبتة ونشأتها يقول الباحث أن بدايتها كانت في أواخر عهد السلطنة الزرقاء وما بعدها في القرن الماضي إثر ضعف السلطة المركزية، وضعف الوازع الديني نتيجة للجهل الذي ضرب أطنابه على المجتمع السوداني من جراء سياسة التجهيل التي طبقها الحكم التركي، حيث راحت القبائل تغير على بعضها تسلب وتنهب، وكان هذا العهد يسمى عهد ((القيمان)) وبعد سقوط السلطنة الاسلامية الزرقاء على يد الأتراك العثمانيين وقيام سلطة مركزية انحسرت ظاهرة القيمان ، وبعد الاستقلال من الاستعمار واستقرار الغالبية من العرب الرحل وانتشار الوعي الديني والتعليم اندثرت هذه الظاهرة الا من بعض الحوادث الفردية في اقاصي البوادي السودانية.

دوافع الهمبتة :
عاش العرب في السودان منذ ما قبل تصدع الاخدود الافريقي العظيم عندما كانت آسيا وأفريقيا قارة واحدة ، ينداحون في الأرض، فلا تحدهم إلا الجبال بين الفرس والترك والبحر الأبيض المتوسط شمالاًَ وعندما استشرى الجفاف والتصحر في شبه الجزيرة العربية، راحوا يهاجرون إلى وديان الأنهار في العراق والشام ومصر والسودان، وظلت الهجرات العربية تتواصل إلى السودان، الأمر الذي يؤكد أن الوجود العربي في السودان لم يكن أمراً طارئاً، وواضح أن العرب لم يعيشوا في المنطقة الاستوائية من السودان بل استوطنوا شرقه ووسطه وشماله وغربه. وعندما وفد العرب إلى السودان بعد الاسلام عاشوا فيه كما كانوا يعيشون في جزيرتهم، وظلت حياة الترحال وراء الماء والكلأ هي ديدنهم وحمدا لله ان الباحث قد استرشد باشعارهم، وهي ((عربية فصيحة)) فلينظر الأقحاح من العربان في نسبتها إلى جذورها في أحرف لسانهم السبعة. وقد توارث العرب في السودان الالتزام بقيم القبيلة وتقاليدها وأعرافها ومعاييرها الجماعية، وكما قلنا فان تفشي الجهل أواخر السلطنة الزرقاء وسياسة التجهيل التي طبقها الغزاة الأتراك والإنجليز، وضعف الوازع الديني الناجم عن الجهل بالدين ((الهمبتة)) مكان الاعتزاز والفخر، ودليل على الشجاعة والبسالة والاقدام والنبل والكرم الفياض، وهي تكسب صاحبها تقدير واحترام القبيلة والمجتمع، حتى ان بعض القبائل لم تكن لتعترف للشباب ببلوغ قدر الرجال إذا لم يمارس الهمبتة، وكانت القبائل تتفاخر بهم، وتحتفل بهم حين يعودون بعد رحلة موفقة، ذلك أنهم يشركون في كسبهم كل محتاج في القبيلة من الأيتام والأرامل والمسنين والفقراء، كما أن الهمبتة كانت تكسب الرجل إعجاب الغواني.. فالرجل الصنديد ((الولد)) الذي يخاف أن تلومه القبيلة وتعيره بالخوف، عليه أن يمتطي ((يخلف ساقيه)) جملا فحلا(( تيساً)) رقيق الفم ((قدومو)) فإما أن يأتي بمال يرضي الظبية ((البهم)) ذات الرضاب الذي يقطر عسلاً (( لهيجو مسكر)) أو أن تثكله نساؤه ويكلن الرماد على رؤوسهن وهي عادة كانت سائدة في السودان عند موت عزيز حيث تملأ الأقداح بالرماد، وتحثوه الباكيات على رؤوسهن. أن الباسل الذي يريد ((بدور)) أن يحظى بشكر القبيلة عليه أن يركب ويتوغل ((يتوكر)) في بلد العدو، فإما أن أتى ((جاب)) بما يرضي الظبية ذات الرضاب المطعم بالسكر، أو قضى وتبخترت الصقور الصلعاء فوق جثته وصوتت ((أب صلعة تيتل وكركر))!! وواضح أن المرأة زوجةً وبنتاً وأختاً وأماً وخليلةً في حالة حضور دائم في وجدان ((الهمباتي)) بل هي سبب رئيسي لاقتحام المخاطر وركوب الصعاب، إذ هي الواحة التي يعود إليها ((الهمباتي)) من حياة المخاطر، فتنسيه كل ما عانى من أهوال قاتلة ومشاق مرهقة، وفي كل أشعارهم يتضح كمون المرأة في وجدانهم، ووراء مجازفتهم بأنفسهم من أجل اكتساب ودها!!

مجتمع الهمباتة :
يتكون مجتمع الهمباتة من فئتين: الهمباتة الذين يقومون بنهب الإبل و((العملا)) الذين يقومون ببيع الإبل المنهوبة.. ومن أشهر الهمباتة ((الذين تتردد أسماؤهم الطيب عبدالقادر سليمان المعروف بإسم ((ودضحوية)) من قبيلة الجعليين، ورفيقه طه محمد أبو زيد البطحاني المعروف بإسم ((طه الضرير)) ومن نفس القبيلتين الصديق ود عثمان ود التركاوي ((أب ترمة)) وعلي أحمد علي، و((كيقة)) ودعمران والخضر ودفكاك، وعثمان ود علي ((ترتر)) ومدني محمد عويضة والعطا ود حليلات ومن الكواهلة وقبائل كردفان محمود ود آدم، عبدالله ود المقدم، شرف ود المجرب، محمد ود عايس، أبو حبيب أبو زيد، حامد أمبده، عبدالله حريكه، عوض الكريم محمد إبراهيم، موسى ودكوكو، وغيرهم كثيرون. العملا كانت قبيلتا العليقات والعبابدة اشهر تجار الإبل حيث كانوا يبيعونها في مصر.. وتتألف فئة العملا غالبا من أشخاص كانوا همباته، ثم تركوها لأي سبب من الأسباب، وهم إلى جانب بيع الإبل المنهوبة يقومون بمساعدة الهمباتة بتقديم القروض لهم اذا ما أصبح أحدهم خالي الوفاض، ويقومون بتجهيزهم ((تشهيلهم)) وكانت بوادي السودان تزخر بهم مثلما تعج بالهمباتة، وهم معروفون بالإسم في كل قبيلة وكل منطقة، وقد كان من أشهرهم في شرق السودان عواد، إدريس ود علي، علي جبريل، محمد هدل، ومن قبيلة الكواهلة ((محمود ود آدم، أحمد ود المليح، ومن الجعليين في الشمال: أحمد ود عوض السيد، أحمد عوض الكريم ((ود ضيقة)) حاج علي ود طه، دوشان، وأبو جارندة في منطقة جبل دود غربي سنار، وفي غرب السودان جريجير من عرب القريات وقنفود وعيد من الكبابيش. ولم يكن عمل العملاً قاصراً على الرجال بل أن ((ستات المجالس)) ممن احترفن صنع الخمر وتهيئة مجالس اللهو من الجواري اللائي نلن حريتهن بعد إلغاء الرق في السودان، كن يقمن ببيع الإبل المنهوبة كما يقمن بإقراض الهمباتي المال الذي يحتاجه.. يقول ود ضحوية:

الدرب البجيب كُمَش النقود موهين
وما بمشيهو ديك بيتو اب جليدا لين
الولد البيقوم من أم حمد متدين
غصبا عنو يا السحار يسوقن بين


يخاطب جمله السحار قائلاً أن الطريق الذي يجيء بالنقود الكثيرة ((يجيب كُمَش النقود)) ليس هيناً ولا سهلاً، ولا يمشي فيه من يلازم بيته مثل الديك صاحب الجلد اللين الناعم.. ولكن الصنديد الذي يقوم بعد أن يستدين من الغانية ((أم حمد)) فلا بد له أيها الساحر من أن يسوق الإبل واقتدارا عيانا بيانا.. ويقول آخر مخاطبا ناقته :

الليلة أم هلال أمست سراتك تارة
وأسايدك سواويق لي الردوف والدارة
ان بردن نكافيبن سوالف السارة
وان حرن صناديدا نقابل الحارة


فهو يقول لناقته ((أم هلال)) إن سنامك ((سراتك)) قد رجعت للوراء ((ترت)) من طول الركوب، وأن أسيادك يعرفون قود ((سواويق)) الإبل ممتلئة الأرداف، وتلك الحبلى ((الدارة)) فإذا ما خلصن ((بردن)) نكافئ بهن أفضال وديون ((سوالف)) الغانية المسماة ((السارة)) أما إذا تطلب الأمر القتال فإننا صناديد في المعارك الحارة.

السالف :
والسالف هو أبرز صور التعاون بين الهمباتة، وهو يتمثل في واجب الهمباتي نحو زميله إذا كان في موقف يحتاج فيه إلى المساعدة، فهو واجب وليس دينا يرد، فما أن يحتاج الهمباتي إلى المساعدة فإنه يلجأ إلى الهمباتة في المنطقة لمساعدته حتى دون سابق علاقة أو معرفة، ومن يتقاعس عن أداء هذا الواجب يعتبر خارجا على ((السوالف)) وتسوء سمعته، ويحجم الجميع عن التعامل معه أو تقديم العون له في وقت الحاجة.

مراحل الهمبتة:
وتتم عملية الهمبتة عبر عدة مراحل تبدأ بتجمع الأسباب والدوافع، ثم تحديد الهدف، ومكانه، ومعرفة الطريق إليه، ثم تأتي مرحلة بلوغ الهدف واختيار الإبل التي تتسم بدلائل القوة والقدرة على التحمل والسير لمسافات طويلة، وتنتهي ببيع الإبل وإنفاق المال الوفير الذي تدره في إعانة المحتاجين والمساكين، ومساعدة ((رفاق الفرده)) ثم الانصراف إلى ((ستات المجال)) لشرب الخمر واللهو مع الغواني الحسان. ((وستات المجالس)) هن من الرقيق اللائي نلن حريتهن بعد الغاء تجارة الرقيق في بداية هذا القرن، ولكن يسكن في أطراف المدن والقرى ويتكسبن بصنع الخمر والبغاء. وتحكم مجتمع الهمباتة قيم حميدة منها ماهو خاص بمجتمعهم، ومنها ما هو شائع في المجتمع العربي البدوي عامة .. ومما هو خاص بمجتمعهم إضافة إلى حق ((السالف)) المكفول لكل رفيق:

حقوق الرفقة:
وللمرافقة في مجتمع الهمباتة قوانين تحكمها وقواعد تنظمها وقيم تستند عليها ومعتقدات تدفعهم إلى الالتزام بحقوقها .. وأول ما يحكم ((الرفقة)) إن الهمباتة قبل أن يبدأوا رحلتهم يتعاهدون ((الخاين الله يخونو)) ويقرأون الفاتحة، وهم يعتقدون أن من يخون ((الرفقة)) يلحقه الضرر في نفسه وذريته وماله، ويقولون ((خون كل شيء إلا الغُردَه)) والغرده هي الحزام الذي يربط السرج على ظهر الدابة، وهي كناية عن رفيق الهمبتة .. وقد أدى هذا الإعتقاد إلى تمكن هذه الخاصية في نفوسهم والتزامهم بها، فأصبح الوفاء للرفيق من اميز صفاتهم، وهو يصل إلى حد الذود عنه بالروح والمال، والرفيق دائما هو موضع الحفاوة والإكرام والإحترام، وما وقع في مشكلة إلا وتعاطف معه الآخرون، وسعوا بكل ما يملكون لتخليصه من مشكلته، وإذا حدث ما حمل الرفيق على الغياب عن أهل بيته قام الرفاق بمعاونتهم وبرعايتهم وحمايتهم وتوفير كافة احتياجاتهم ومعاودتهم. وقد استخلص الباحث من أشعارهم عدة أشكال من صور الوفاء للرفيق تعبرعن شعور عميق بالتعاطف حين يقع أحدهم في قبضة القانون ويزج به في السجن .. سمع ((ود ضحوية)) أن رفيقه ((طه الضرير)) قد حكم عليه بالسجن فقال:

الليله النّفس أمسَت حزينة وعامدة
وما بَتْسلّى بي بُرقُع حميده وحامدة
فارْقَنا أبان قلوبا جامدة
ناس طه اللّحو ضو القبيله الخامدة


يقول أن نفسه أمست حزينة ومنقبضة ولا تسليه مجالسه الغيد الحسان ولا براقع ((حميدة وحامدة)) بعد أن فارق رفاقه ((الرباعة)) أصحاب القلوب الشجاعة، وخاصة ((طه)) الذي يشبه الأسد ((اللحو)) ضوء القبيلة التي تخمد نارها. ويقف الهمباتي إلى جانب رفيقه عند القبض عليه، ويبذل كل ما في وسعه لتخليصه من ورطته:

الخبر البيجي الصديق مقفل جوه
حالف ما بقيق دونو ان بقيت في هوه!!


فقد ورد خبر بأن رفيقه ((الصديق)) ود التركاوي قد سجن فأقسم ألا يكف عن السعي لخلاصه حتى وإن قاده ذلك إلى هاوية . ومن صور الوفاء للرفيق عندهم أن أحدهم إذا قبض عليه بجريمة سرقة الإبل فإنه يتحمل وحده العبء ولا يذكر شركائه أو يقر بأسمائهم، وبالمقابل فإن شركاءه يسعون بكل السبل لتخليصه، وإذا أخفقت محاولاتهم فإنهم يتكلفون بإعالة أسرته طوال مدة بقائه في السجن.

قواعد الهمبتة:
وتقوم الهمبتة على قواعد يتحتم على ((الهمباتي)) مراعاتها وإلا فهو لا يعد في عداد ((الهمباتة)) ويكون محتقراً .. وأول هذه القواعد : أن الهمباتي لا يقرب إلا الإبل فقط دون غيرها من المواشي أو الأموال، كقاعدة أساسية تميز بين الهمباتي واللص.

ما بتدبى لي عنز الفطيم والشاي
بعرف سوق بكاراً دلتن داداي

فمن العيب أن يدب متلصصاً ليسرق " العنز" التي تُحلب للطفل الرضيع وللشاي وهو يعرف فقط سوق النياق على أصوات الحداء ((الداداى)) ذلك أن نهب الإبل في عُرفهم عزة وفخر ويجلب تقدير وثناء القبيلة كما يجلب إعجاب الغواني .. ونهب غير الإبل فيه ضيعة وصغار ويجلب الذم والإحتقار .. ويرجع الباحث ذلك إلى أن الإبل هي إثمن ثروات البدو، العائد منها لا يقاس بالعائد من غيرها كالبقر والضأن، وهناك الجانب الإجتماعي حيث تُقاس ثروة الرجل بما يملك من إبل تحدد مكانته في السلم الاجتماعي، وفوق هذا وذاك فإن الإبل قادرة على السير لمسافات بعيدة لا يدركها أصحابها الذين يقتفون أثرها (الفزع) . ويحكى عن ((السريري)) وهو أحد همباتة الكواهلة أنه مر بقرية بها مناسبة زواج، فطلب من رفيقه أن ينتظر زفة العريس ((السيرة)) لرؤية الفتيات الجميلات ((والعرضة فوقهن)) وعندما جاءت الزفة حمل السريري بندقيته وبقي رفيقه عند الجمال مصوباً سلاحه الناري، وأطلق السريري عياراً نارياً من بندقيته ووضع فيها ظرفا آخر، وطلب من الرجال أن يقفوا على جانب ففعلوا مرغمين، افراح يسلب النساء حليهن الذهبية والفضية من عقود وأساور واقراط وخواتم، ثم طلب من رفيقه ان يحضر ((الفروج)) فاحضرها وفرشها، فطرح فيها السديري الحلى، وقال للنساء: يابنات العم اردت ان تعرفن انكن كنتن تغنين لنساء مثلكن لا يقدرن على حمايتكن .. أنا لا أريد حليكن فلتأخذ كل منكن حليها. ـ العلانية: أن الهمباتي لا يأتي متلصصا في الخفاء، وإنما يحصل على غنيمته جهاراً نهاراً وعنوةً واقتداراً. والهمباتة يعزفون عن الإبل ((الهاملة)) ولا يسلبون إلا الإبل المحمية :

الزول البدور من البوادي ضريبة
يبقى موارك الغربه ويبعد الريبة
ما بتدبى لي الهاملة البشوفا غريبة
الا السيدا في الدندر مسيلها زريبه


فالشحص الذي يريد من البوادي فرصة عليه أن يداوم ((يوارك)) على الغربة ويبعد ريبته عن القبيلة والجار والعشير، أنه لا يتلصص ويسرق الناقة الهاملة التي يراها غريبة ولا ينهب إلا الإبل المحمية التي أقام لها أصحابها الحظائر في بادية الدندر وحدود الحبشة . البعد : إن الهمباتي لا ينهب من قبيلته ولا من الجار والعشير:

الولد البدور الشكره يابى الشينه
يبعد ردو غادى .. ينطح بوادي جهينة
إما نجيب فلوساً تبسط الراجينا
ولا أم روبة لا حولين تكوفتو علينا


فمن يريد أن يشكر ويأبى الفعل الشائن عليه أن يوغل في البعد ويقارع الأبطال من جهينة في بواديهم بغرب وشرق السودان فإما أن يأتي بمال يفرح الحبيبة التي تنتظر عودته ((نبسط الراجينا)) أو أن ذات الشعر الغزير الطويل ((أم روبه)) تحد عليه لمدة حولين فلا تضفر شعرها ضفائر ناعمة وإنما تضفره ضفائر غليظة ((كوفات)) ولا تطيبه لمدة عامين. وهم وراء الإبل الإصيلة أينما كانت، يقول طه ودأب زيد:

إبوك يا الزينة عكاهن قبض في روسن
الهوج والشرق فوق العواتي بكوسن


يقول لابنته ((الزينة)) إن أباك كم استولى على الإبل وقاده وإنه يجوب الغرب ((الهوج)) والشرق بحثا عنهن ((بكوسن)) .. وقد وردت في أشعار ود ضحوية وطه الضرير وإضرابهما من وسط السودان اسماء مناطق في الشرق والحدود الحبشية والبحر الأحمر وفي الشمال عند الحدود المصرية :

كم عتمر تبن فوق قجة العبادي
وكم غوصتلن من الدنادر غادى

فكم من إبل قادها عبر صحراء العتمور في الشمال وهو يمتطي جمله المنسوب لقبيلة العبابدة أصحاب الإبل الجيدة، وكم أبعد وتوغل ((غوص لهن)) في البحث عن إبل إلى أبعد من نهر الدندر عند الحدود الحبشية . ـ حق الجار: إن مراعاة حق الجار من أبرز القيم العربية وأرسخها جذوراً، إذ هي متأصلة في طباعهم منذ جاهليتهم، وهي من اوجب واجبات الهمباتي وكما أوضحنا فإنهم يبعدون عن مضاربهم وجيرانهم ويتوغلون في البعد رعاية لحق الجار.

ببعد ردى ما بتدبى اخوان الجار
وبحرت كفى في اليوم أب لطاما حار


فهو يبعد من جيرانه ولا يدب متلصصا ويخون جاره، وإنما ((يحرت كفه)) في يوم العار اللطام حتى تخلص له الإبل. ـ الشجاعة: ان الهمباتة هم رجال صناديد يتمتعون بصفات نفسية وجسدية تهيئهم لهذه الحياة الخطرة التي يجابهون فيها الموت والمخاطر والأهوال والصعاب ويتميزون بقدرة فائقة على تحمل المشاق .. ذلك أن الشجاعة هي أوضح سمات الهمباتى، لأن طبيعة الهمبتة تجعله في حالة خطر دائم من جراء نهب الإبل حيث أن أصحاب الإبل المنهوبة ((يفزعونها)) سعيا لإرجاعها ، ويطاردون الهمباتة وتقع بينهم معارك بالأسلحة التقليدية والنارية .. يقول ود ضحوية :

الناس الـ علي ((السحار)) بيشقوا الصى
أمسو الليلة فوق راياً نجيض مو ني
ناس أب تَرمَه جاموس النحاس أب دي
عقدوا الشوره ميعادهم جبال كربي


إن الأشخاص الذين يشقون الفيافي على مثل جملة ((السحار)) أمسوا وقد عقدوا العزم على رأي ناضج ((نجيض)) وليس نيئا. وشبه جسارة رفيقه ((الصديق ود التركاوى)) الملقب بأب ترمه أي ((ذي السن المكسورة)) بجسارة الثور الوحشي عندما تدوي طبول الحرب ((النحاس أب دي)) وقال أنهم قد عقدوا رأيهم على إغارة جبال كربي البعيدة . فيوماً في نعيم وبهجة وسرور مع الحبيبة التي تجعل نومه متقطعا، وإما يستترون بثباتهم من لفح رياح السموم .

يوم جالسين مع الحزم القُصار مربوعه
ويوم ماسكين نقيب صايدانا عطشه وجوعه

فهم يوماً في سعادة مع حبيباتهم مربوعات القوام، ويوماً يسيرون على طريق طويل وسط الأحراش فريسة للعطش والجوع .. فهو يقضي يوماً على ظهر جمله يكربت به ((والكربتة ضرب من جري الإبل)) ويوماً يتعشى بالربيت ((وهو الشحم الذي استخرج منه الودك يقليه بالنار)) ويوما يتعاطى التمباك ((التابا)) ويبيت عليه الطوى، فإما أن أتي بمال يفرح الحبيبة ذات السوميت ((الخرز)) أو أن تنطرح جثته قتيلا في جبال سقدى ولم يعد. ـ أَنِفَة: والهمباتة يعشقون حياة المخاطر ويحتقرون حياة الدعة يقول ود ضحوية:

مانى التنبل أل في البيت صنعتي حليب
بدور الشدة فوق ابل شوافي ونيب


فهو ليس البليد الكسلان الذي يقيم بالبيت يحلب اللبن، أنه يريد ((بدور)) الركوب على إبل قوية نبتت أنيابها ... وهم يأنفون من حياة الزراعة .. وكان والد ود ضحوية قد أصر عليه أن يترك حياة الهمبتة والبقاء في القرية. أنه لو لا ما هو مقسوم له ومقدر عليه لا يهتم ولا يبالي ((ما خسانا)) بزراعة الوادي الصغير المسمى ودي مسعود، والديفة هي الظبية البكرة والوضيب الشعر الذي شبهه لطوله بالرسن ((يقود)) ويقول أحد همباتة حمر:

البكره العليها الطقة والطباعة
انا بعيش فيها سيبك من هموم وزراعة


ان هدفه هو الناقة الموسومة فهي حياته، ويقول لحبيبته دعيني من الهموم ومن الزراعة. والهمباتة في مواجهة المخاطر يعتمدون على أسحلتهم .. يقول ود ضحوية:

كم فزعا خمدنا بيضة سنو
ياريت السيوف كان تحكى بي الفاعلنو


والفزع هم أهل الإبل الذين يطاردون الهمباتة، يقول أنهم قد أخمدوا بياض أسنانهم بأن جعلوهم يعودون بدونها خاسئين ويتمنى أنه لو كانت السيوف تتحدث لأخبرت بأفعالهم .. وهم في سبيل الإبل لا يرهبون القيود والسجون. ـ المروءة : ان الهمباتة يتصفون بالمروءة والنجدة والشهامة، ومثلما تحلو لهم مجابهة المخاطر من أجل المال، يحلو لهم إنفاقه في إعانة المحتاجين، ومساعدة المساكين، وحل مشاكل أقاربهم ومعارفهم، وقبل هؤلاء جميعا ((أخوان الفردة)) رفاق الحاره .. يقول ود صحوية:

عند طرش الدرق ما بنسى شرط الخوه
كباس لي الدهم عند البيقول يا مروه


فحين البأس وقراع السيوف للدرق لا ينسى واجبه تجاه رفاقه، وهو يندفع في الليل لنجدة من يطلب النجدة وينادى ((يا أبو مروة)). ومن مروءتهم أنهم لا ينهبون إبل الفقراء من الناس الذين يعتمدون عليها في معيشتهم وترحالهم .. ولا ينهبون إبل اليتيم حتى لا يزيدون أحزانه .. ولا ينهبون إبل امرأة مهما كانت كثيرة .. ولا يتعرضون لأصحاب الإبل المشهود لهم بالكرم ومساعدة المحتاجين والمساكين. إن هدفهم دائما وأبدا هم الأغنياء من أصحاب الإبل الذين لا يعينون المحتاج ولا يساعدون المسكين. ـ الكرم: إن الكرم من أبرز القيم العربية، وهو من أخص خصائص الهمباتة فهم كما قلنا يعينون المحتاجين ويساعدون الفقراء والمساكين، وقد يصرفون كل ما يصل إلى أيديهم من مال في هذا السبيل، وخاصة للرفاق:

ان بردن نقود مانى البخيل صريت
وان حرن بكار ماهن صفايح زيت


أن الغنيمة إذا أصبحت باردة في شكل نقود فإنه لا يصرها ويبخل بها، أما إذا تطلب الموقف القتال فهو يقاتل من أجل بكرات تستحق الموت وليس من أجل صفايح زيت.

ولكم فائق الود ،،،،
أحمد حيدوب
أحمد حيدوب
Admin

عدد المساهمات : 1635
تاريخ التسجيل : 06/04/2008
العمر : 55
الموقع : مكة المكرمة ـ السعودية

https://abudeleig.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الهمبتة والهمباتة في السودان Empty رد: الهمبتة والهمباتة في السودان

مُساهمة من طرف طلحةحسن حاج علي الجمعة 28 مايو 2010 - 23:09

لك التحية اخي ودحيدوب والله ما قصرت تب والله دي معلومات مهمة لا يلم بها كل الناس وخاصة الاجيال الحديثة
طلحةحسن حاج علي
طلحةحسن حاج علي
وسام الأوفياء
وسام الأوفياء

عدد المساهمات : 153
تاريخ التسجيل : 19/02/2010
العمر : 43
الموقع : منتديات أبودليق

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الهمبتة والهمباتة في السودان Empty رد: الهمبتة والهمباتة في السودان

مُساهمة من طرف أحمد المبارك الجمعة 28 مايو 2010 - 23:56

لك الشكر اخي ودحيدوب . موضوع جد مهم وحوى الكثير الضافـي , اعتقد ان الهمبتة ادب رفيع قبل ان تكون عادة سادت وبادت لارتباطه بمواقف رفيعة الحبك من قصص ويكفي الدوبيت المرتبط بمغامرات الهمباتة ولك هذا المربوع :
الولد البخاف القبيلة تلومو
يخلف ساقو فوق تيسارقيق قدومو
اماً جاب رضوة البهم المزرقن فومو
اما اتكاتحن بي قدح الرماد حرومو
أحمد المبارك
أحمد المبارك
وسام الأوفياء
وسام الأوفياء

عدد المساهمات : 405
تاريخ التسجيل : 24/02/2010
العمر : 38
الموقع : السعودية ـ مكة المكرمة

https://abudeleig.yoo7.com/

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الهمبتة والهمباتة في السودان Empty رد: الهمبتة والهمباتة في السودان

مُساهمة من طرف أحمد حيدوب السبت 29 مايو 2010 - 1:27

مشكورين
مشــكورين مشــكورين
مشـــكورين مشـــكورين مشـــكورين
مشــــكورين مشـــكورين مشــــكورين مشــــكورين
مشــــكورين مشــــكورين مشــــكورين مشــــكورين مشــــكورين
مشـــــكورين مشـــــكورين مشـــــكورين مشـــكورين مشــكورين مشـكورين
مشـــــــكورين مشــــــــكورين ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مشـــــــكورين مشـــــكورين
مشـــــــكورين مشــــــــــــــكورين ـ الاخوة طلحة وودالمبارك ـ مشــــــــــــكورين مشـــــكورين
مشـــــــكورين مشــــــــكورين ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مشـــــــكورين مشـــــكورين
مشـــــكورين مشـــــكورين مشـــــكورين مشـــكورين مشــكورين مشـكورين
مشــــكورين مشــــكورين مشــــكورين مشــــكورين مشــــكورين
مشــــكورين مشـــكورين مشــــكورين مشــــكورين
مشـــكورين مشـــكورين مشـــكورين
مشــكورين مشــكورين
مشكورين
أحمد حيدوب
أحمد حيدوب
Admin

عدد المساهمات : 1635
تاريخ التسجيل : 06/04/2008
العمر : 55
الموقع : مكة المكرمة ـ السعودية

https://abudeleig.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى