سعودية تشعل الجدل بزواجها من رجلين

تنظر محكمة الرياض الكبرى في قضية نادرة، استقطبت انتباه الرأي العام في السعودية، ومعظم الدول العربية، وخاصة تلك التي شاع فيها مؤخرا ما عرف بزواج المسيار، خاصة وأن القضية التي تنظر فيها المحكمة هي نتاج لهذا النوع من الزواج.

والقضية التي تنظر فيها المحكمة المذكورة هي زواج امرأة سعودية من رجلين في وقت واحد، ولم تكن تستطيع المرأة فعل ذلك ما لم تساعدها الشروط المخففة التي أتاحها زواج المسيار، والتي لا توجد في الزواج التقليدي، حيث يعفي زواج المسيار الزوج من المبيت مع زوجته الثانية، فهذا الحق حكر على الزوجة الأولى التي لا تعلم أصلا بأن زوجها قد تزوج عليها، كما يعفيه من الإنفاق على البيت إذا رضيت الزوجة الثانية بذلك وكانت قادرة عليه وباستثناء ذلك فإن زواج المسيار يستوفي كافة شروط الزواج الشرعية.

هل سيتم رجم المرأة

يتوقع أن تصدر المحكمة حكما قاسيا ضد الزوجة موضوع القضية، وغالبا ما ستحكم عليها بحد الرجم باعتبارها محصن وفقا لعقد الزواج الأول، وأنها خدعت الرجلين ومارست الزنا مع الثاني الذي قد لا تشمله الإدانة لأنه لم يكن على علم بذلك، وأن عقد زواجه صحيح وموثق، وقد تؤدي هذه الحادثة إلى التشديد على ظاهرة زواج المسيار، خاصة وأن عددا من الأشخاص الآخرين يمثلون أمام المحكمة في قفص الاتهام، بينهم مأذون شرعي، وعدد من الموظفين على استخراج عقود الزواج، ولكن القضية تكشف أيضا عن ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة جعلت النساء، وبعض الرجال يلجئون إلى ما بات يعرف بزواج المسيار، بالرغم من أن الكثير من الناس ينظرون بشئ من الريبة إلى هذا النوع من الزواج بسبب الغموض والسرية التي تكتنف هذا النوع من الزواج.

زواج قديم بثوب حديث

ليس زواج المسيار جديدا، فقد لجأ الناس إلى هذا النوع من الزواج في حقب سابقة من التاريخ الإسلامي، وترد قصص في أمهات الكتب عن رجال اشترطوا على زوجاتهم المبيت عندهن عددا محدودا من أيام الأسبوع، ويذكر أن الإمام الحسن البصري الذي عاش في القرن التاسع الميلادي كان قد أجاز مثل هذا النوع من الزواج، وقد شاعت في ذلك العصر تسمية "زواج النهارات" على مثل هذا النوع من الزواج، لأن الزوج في العادة يذهب إلى زوجته الثانية أثناء النهار، ويخصص الليل لزوجته الأولى، ولكن تسمية الزواج ب"المسيار" هي الحديثة، وقد اشتق الاسم من كلمة "السير"، لأن الزوج هو الذي يسير إلى بيت الزوجة، التي تعيش مع أهلها، أو في بيت منفصل عنهم، بينما تعيش الزوجة الأولى التي لا تعلم شيئا في بيت الزوجية، وتعني أيضا العبور، وعدم المكوث والإقامة.

فاتورة النفط الباهضة

وتلعب التطورات التي أحدثها اكتشاف النفط في الدول الخليجية دورا كبيرا في لجوء الناس إلى هذا النوع من الزواج، وهي ظروف تختلف عند الرجال عنها عند النساء، اللواتي يلجأن غالبا إلى هذا النوع من الزواج بسبب العنوسة، وأحيانا بسبب الفقر، بينما يلجأ الرجال غالبا إلى هذا النوع من الزواج بسبب أعمالهم التي تجبرهم على الإقامة بعيدا عن بيت الأسرة، أو بسبب ممانعة الزوجة الأولى على إقدام زوجها على الزواج مرة أخرى، وفي بعض الحالات بسبب التكاليف الباهضة للزواج في البلدان الخليجية.

تحريم وتحليل مع الكراهية

يتفق أغلبية الفقهاء على إباحة هذا النوع من الزواج، بينما يحرمه بشكل قاطع عدد محدود من الفقهاء الآخرين، كما أجازه الأغلبية مع الكراهية بسبب الخوف من تحوله إلى زواج "متعة"، الذي يحرمه معظم فقهاء السنة، ويجيزه فقهاء الشيعة، كما يتحفظ عدد من الفقهاء في دول الخليج على زواج المسيار، خوفا من الإخلال بولاية الرجل، عندما تتولى الزوجة الإنفاق على البيت.

زواج يستوفي أركانه

باستثناء ذلك فإن زواج المسيار يستوفي أغلب أركان الزواج الشرعي، ولا يستوفي أي نوع آخر من الزواج هذه الأركان إلا الزواج العرفي، وهو الزواج الذي تعارف عليه الناس قبل ظهور الدولة الحديثة، التي أجبرت الناس على تسجيل عقود الزواج لديها، بينما كان الزواج العرفي يكتفي بإعلان الزواج أمام الناس فقط، لذلك شدد الفقهاء على تسجيل عقود زواج المسيار حتى يلتزم الطرفان بشروط التعاقد، خوفا من استغلال أحد الطرفين لهذا النوع من الزواج، ومحاولة التملص من تبعاته.

اعتراضات نسائية

بالرغم من موافقة المجمع الفقهي الذي يضم ستين عضوا على زواج المسيار، إلا أن بعض النساء لا يحبذنه لما فيه من امتهان لكرامة المرأة، التي عليها أن تتنازل عن بعض حقوقها في المساواة مع الزوجة الأصلية، كما أن بعض الازواج يشترطون على الزوجة عدم الإنجاب، وقد يستغل الأزواج النساء وخاصة عند فشل الزواج، ومطالبة الزوجات بالطلاق، حيث يشترط الأزواج مبالغ مالية كبيرة للموافقة على الطلاق، وفي كل الأحوال فعلى الزوجة في زواج المسيار العيش تحت الإحساس بعدم المساواة، وأيضا عدم الرضا على الذات بسبب استغفال الزوجة الأولى التي لا تعلم ماذا يجري خلفها، كما أنها تشعر غالبا أنها مجرد أداة جنسية بالنسبة لزوجها، وليس لها كيان اجتماعي يكفل لها مركزا لائقا أمام المجتمع. بل هناك من يعتبر هذا النوع من الزواج بمثابة دعارة مقننة، وفي بعض الحالات يخشى من هذا الزواج لما قد يترتب عليه من مشاكل تقوض دعائم الأسرة، ويشرد الأبناء والبنات، ويتمسك المعارضون لزواج المسيار بالعواقب الاجتماعية لها، مؤكدين أن هذا الزواج عند فشله قد يسبب دمار أسرتين وليس أسرة واحدة كما في الزواج التقليدي.

زواج للسفر فقط

كيفما انتهت قضية المرأة التي استغلت زواج المسيار لتتزوج برجلين، ستؤجج دون شك الجدل ليس فقط حول هذا النوع من الزواج، وإنما حول وضع النساء في الخليج بشكل عام، وفي السعودية بشكل خاص، حيث لا تزال النساء ممنوعات من قيادة السيارات، ومن السفر دون محرم، الأمر الذي اضطر بعض الطالبات السعوديات على استحداث نوع جديد من الزواج عرف بزواج "المسفار"، وهو زواج يحرمه كافة الفقهاء، لأنه زواج مؤقت، وفي حالة الطالبات السعوديات فهو ينتهي مع نهاية فترة الدراسة في الخارج، وان وجود "الزوج"، هو فقط للسماح لهن بالسفر والإقامة طويلا في الخارج.

مسكنات في انتظار العلاج

قد يكون اعتراض هؤلاء النساء ناتجا أيضا عن خوفهن من أن يتحولن إلى ضحايا، إذا تزوج أزواجهن سرا على طريقة المسيار، وهذا بالتأكيد من حقهن، ذلك أن المجتمعات التي تتخلى عن الشفافية في مناقشة ومعالجة مشاكلها، ستبقى بعيدة عن الوصول إلى الأسباب الحقيقية لهذه المشكلات، وستكون الحلول مجرد تناول حبوب لتسكين صداع شخص يعاني من السرطان، وستلجأ المجتمعات أولا إلى مثل هذه الحلول، قبل أن يفرض عليها الواقع الانتماء الحقيقي للعصر الذي تعيش فيه.

المصدر: رويترز